ويطرح الكتاب دراسة فكرية وثقافية معمقة، تتناول الأسباب الكامنة وراء التخلف الحضاري الذي يعانيه المسلمون، مقابل التقدم اللافت الذي حققته أمم أخرى، مستعرضاً إسهامات عشرة من أبرز مفكري التيار الإصلاحي الوسطي الذين حاولوا تفكيك هذا الإشكال الحضاري الكبير.

وأكد الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، أهمية الكتاب لما يقدّمه من خلاصات فكرية لإجابات متعددة حول سؤال العصر، مشيراً إلى أن الكاتب جمع أبرز آراء عشرة من رموز الإصلاح، وقدم تلخيصاً مركزاً لأطروحاتهم الفكرية، التي يمكن أن تشكل منطلقاً لمعالجة العلل التي تعيق نهضة الأمة.

وقال الشيخ أحمد: «الأمة بحاجة إلى إعادة بناء شامل لحصونها الفكرية والمجتمعية، وعلاج أمراضها وفق ثوابت الشرع ومقتضيات الحاضر، بهدف استنهاض جيل متمسك بدينه وهويته وقيمه الإسلامية الأصيلة».

- الرؤى الإصلاحية لنخبة من المفكرين 

وضمت قائمة المفكرين الذين تناول الكتابُ أفكارهم وتحليلاتهم كلاً من: عبد الله النديم، محمد فريد وجدي، عبد الرحمن الكواكبي، محمد الطاهر ابن عاشور، بديع الزمان سعيد النورسي، سعيد حليم باشا، محمد أسد، شكيب أرسلان، أبو الحسن الندوي، ومحمد الغزالي. وقد جاء اختيار هذه النخبة تحديداً نظراً لتبنّيها منهج الوسطية في تفسير أسباب التأخر، وانطلاقها من ثوابت الأمة وإيمانها بضرورة المواءمة بين الأصالة والمعاصرة.

ويُبرز الكتاب التنوّع في الرؤى الإصلاحية لدى هؤلاء الأعلام، فمنهم من غلّب البعد السياسي كعبد الله النديم والكواكبي، ومنهم من ركّز على دور التربية والتعليم كابن عاشور والنورسي، فيما اهتم آخرون بتفعيل الطاقات المجتمعية كالغزالي، أو تقديم الإسلام كما هو بلا تحريف كمحمد أسد، في حين رأى شكيب أرسلان أن الثقة بالنفس هي الخطوة الأولى نحو النهوض، وركّز أبو الحسن الندوي على مظاهر التأخر لا سيما انسحاب المسلمين من قيادة الحياة.

- مزاعم فلسفة الحداثة

ورغم هذا التباين في المسارات، إلا أن الكتاب يبرز نقاط التقاء جمعت المفكرين العشرة، من أهمها: التمييز بين حقيقة الإسلام وسلوك بعض أتباعه، والرد على مزاعم فلسفة الحداثة التي تحمّل الدين مسؤولية التخلف، والدعوة إلى المصالحة بين العلوم الشرعية والكونية، ورفض التبعية الفكرية المطلقة للغرب.

ويصف الشيخ أحمد الكتاب بأنه «كنز فكري» يضع بين يدي القارئ خريطة غنية بالمسارات الإصلاحية التي تقود إلى تجاوز التخلف الحضاري، موضحاً أن هذه الرؤى مجتمعة تُشكل خطوطاً عريضة لطريق التحرر من الأزمات الفكرية والاجتماعية التي تعيق الأمة الإسلامية.

الكتاب يأتي في سياق جهود وزارة الأوقاف المستمرة لدعم الإنتاج الفكري الوسطي وتعزيز الوعي بقضايا النهضة والإصلاح ضمن مشروع «كتاب الأمة» الذي تجاوز حتى الآن أكثر من مئتي إصدار في الفكر والدعوة والثقافة الإسلامية.