البحرين الان | عملات متداولة في العصور الإسلامية عليها صليب.. التاريخ والأسباب | الخليج الان البحرينية

هذا الخبر يأتيكم برعاية موقع الخليج الان ويتمنى لكم قضاء وقت ممتع في قراة هذا الخبر أسعدني تفاعل الجمهور مع حلقاتي "عملات وتاريخ"، التي أقدمها من خلال منصة الوطن في رمضان المبارك. وقد تم طرح بعض الأسئلة من بينها كيف للمسلمين تداول عملات عليها الصلبان، وامتدت هذه العملات حتى الخلافة الأموية "عهد عبد الملك ابن مروان".

المسكوكات تعدّ دليلاً على حقبة زمنية من خلالها نستطيع دراسة وفهم المجتمعات من ناحية ثقافية، دينية، سياسية، اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها فقط لدراسة حقبة زمنية، فهناك المرويات التاريخية والأدلة الأثرية من خلال التنقيب، ولذلك فإن الاستشهاد بمسكوكة أو عملة للحكم على حقبة زمنية يكون مجحفاً، ويستوجب الأمر إلماماً بالظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية التي تم سك هذه المسكوكة أو العملة فيها.

ففي عهد قريش، لم يكن عند العرب عملة خاصة بهم، والتداول يتم بعملات من أشهرها الدراهم الساسانية الكسروية، والتي عليها صورة الحاكم الساساني وبالخلف معبد النار "في إشارة إلى الديانة الزرادشتية التي تعتبر النار مقدسة ورمزاً للنقاء والنور عندهم"، كما أن الدنانير وبعض الأفلاس البيزنطية كانت متداولة عند العرب، وعليها صور الحاكم وصور للصلبان أو رموز للصليب.

وتداول العرب عملات غيرهم لعدة أسباب، ولعل من بينها شح المصادر المعدنية كالذهب والفضة مقارنة بالدول الثانية أو صعوبة استخراجها في ذلك الزمن، هذا فضلاً عن ابتعاد الشخصية العربية عن المهن بشكل عام كما أشار د. علي الوردي حيث ربط كلمة المهنة بالهانه في كتابه شخصية الفرد العراقي عام 1951، فقد كان أغلب العرب أهل تجارة وإبل فلم تكن هذه المهنة "أي مهنة سك العملات" موجودة عند قريش كما باقي الدول، أضف إلى ذلك هيمنة الحضارة البيزنطية على الشام وما حولها وتحالفهم مع العرب النصارى "الغساسنة" الذين كانوا حرس الحدود بالنسبة للحضارة البيزنطية.

بالمقابل تحيط المنطقة الحضارة الساسانية وهي دولة مهيمنة كذلك في وقتها ولها أيضا تحالفات مع المناذرة وغيرهم من قبائل حيث كانوا يحكمون باسم التاج الساساني، وهيمنت عملاتهم كما يهيمن الدولار الأمريكي اليوم.

ومثلت حالة الفقر والجفاف بالمنطقة العربية، سبباً في استخدام العملات، حيث مهد هاشم جد الرسول الأكبر صلى الله عليه وآله وسلم، الطريق لرحلتي الشتاء والصيف بالتنسيق مع القبائل العربية الأخرى والقوافل التجارية، وأدخل بما يعرف الآن "العملة الصعبة" ابتداء من عهد الإمبراطور زينو.

واستمرت هذه العملات في التداول، حتى عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقرها ولم يمنع تداولها رغم وجود الصليب على الدنانير، ورغم وجود صور الحكام الساسانيين ومعبد النار، واستمر هذا الحال حتى في عهد الخلفاء الراشدين، فهذا درهم الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه "نموذج 1" وهو إمام من أئمة الهدى وسيد من سادة آل البيت -عليهم السلام- على الطراز الساساني، ويوجد به معبد النار، ولكن تم كتابة عبارات بسيطة في هذه الدراهم منها عبارات "الحمد لله، الله أكبر، سبحان الله، جيد" في طرف العملة السفلي.

هذا كله دلالته إن العرب لم يكن عندهم إلمام بالمسكوكات، في حين اعتاد الناس على هذه العملات وتداولها، وصعوبة تغيير شكلها في يوم وليلة، بما قد يشكك الناس في هذه العملات، ويعطل التجارة والبيع، فكان لا بد من مرحلة إصلاح نقدي بدأت في عهد الخلفاء الراشدين وامتدت حتى عهد عبد الملك ابن مروان الذي سك الدرهم والدينار العربي الإسلامي الصرف.

محاولات لطمس الصليب

ظهرت بعض العملات وتحديداً الأفلاس الأموية، والتي عليها صورة رجل يمسك صليباً سواء جالساً أو واقفاً، والبعض اختلط عليه الأمر معتقدا أن الأمويين كانوا نصارى بالسر، أو ماتوا على هذه الملة، وهذا كلام غير دقيق بغض النظر عن الأشخاص، ولكن التاريخ لا يؤخذ بالعاطفة، بل يتم دراسته فهو من العلوم النفيسة. فهذا نموذج لدينار هرقل وهو ممسك الصليب "نموذج 2" وهذا نموذج آخر لهرقل مع ابنه وهو ممسك الصليب "نموذج 3، وبالمقارنة مع دينار أموي وعليه صورة هرقل نجد أنه تم طمس الصليب "نموذج 4".

ما يتم تداوله من صور عملات أموية عليها صليب ما هي إلا تابعة لما يعرف بمرحلة الإصلاح النقدي وما أشار إليه البعض من وجود فلس في عهد هذا الحاكم الأموي، أو ذاك وعليه صليب، فهذا لا يلزم أن الحاكم يكون مسيحياً، ولا ننسى أن في عهد الأمويين كان الصحابة على قيد الحياة وكذلك أئمة أهل البيت وما نكر عليهم أحد هذه العملات بل تداولوها.

والمثال الأوضح على بطلان هذا الكلام بأن عبد الملك ابن مروان لما اعتمد الدينار والدرهم العربي الإسلامي الصرف اختار آيات صريحة تدعو لتوحيد الله -سبحانه وتعالى- من سورة الإخلاص وكذلك ذيل الإطار والجهة الثانية بالشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وسلم ووحدانية الله سبحانه "نموذج 5" - (وهذه كلها جاءت بعد الأفلاس التي عليها صليب التي كانت في مرحلة سابقة مرحلة الإصلاح النقدي.)

محمد العرادي